يرى البروفيسور يوسي ميكلبرج أن كل اتفاق لوقف إطلاق النار يولد هشًّا بطبيعته، لأنه يأتي بعد دوامات من الدم والدمار والمعاناة، وفي معظم الحالات لا يحقق أيٌّ من الطرفين أهدافه كاملة رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه. ويجسد ذلك بوضوح وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، حيث يقف الطرفان وجهاً لوجه وسط انعدام الثقة العميق بينهما.

 

هذا الاتفاق لا تريده لا قيادة إسرائيل ولا قيادة حماس، لأنه يفتح الباب أمام تساؤلات مؤلمة حول مسؤولية كل طرف عن العامين الكارثيين اللذين حملا الدمار لمجتمعيهما. وكما يقول أحد المسؤولين السوفييت: “حين تُسمع المدافع، تصمت الموسيقى؛ وحين تصمت المدافع، تُسمع الموسيقى” — مقولة تصف بدقة كيف يُخمد صوت المعارضة في أوقات الحرب. لذلك يسعى قادة الجانبين جاهدين للتشبث بالسلطة أو الحفاظ على نفوذهم الداخلي، سواء عبر القمع كما في إعدامات حماس الميدانية، أو عبر التلاعب الإسرائيلي بسردية “النصر الكامل” واستهداف الخصوم السياسيين.

 

وبحسب تشاتام هاوس، لا يُعرف بعد ما إذا كانت الخروقات التي شهدها الاتفاق في الأيام الأولى متعمدة لاختبار صبر الطرفين وضامنيه، وعلى رأسهم دونالد ترامب. فالهشاشة تزداد عادة في الأيام الأولى، خصوصاً مع غياب آلية واضحة للمراقبة أو قواعد اشتباك محددة. الانتقال من الحرب إلى الهدوء يحتاج إلى وقت، لا سيما حين يعتقد كل طرف أن “المعركة لم تكتمل بعد”.

 

ورغم كل ذلك، أسفر الاتفاق عن انخفاض ملموس في مستوى العنف وعدد القتلى، كما سمح بدخول المساعدات الإنسانية على نطاق أوسع، وبعودة معظم الرهائن الأحياء وبعض المتوفين. لكن استمرار سقوط الضحايا وتأخر عودة آخر الأسرى يضعان الاتفاق تحت ضغط شديد ويحرجان ترامب الذي أعلن انتهاء الحرب.

 

يحتاج الوضع في غزة إلى قوة مراقبة دولية عاجلة، فالقرب الجغرافي بين الطرفين وسوء العادات القتالية يجعلان الحوادث شبه حتمية. وفي إسرائيل، يواجه بنيامين نتنياهو ضغوطاً من شركائه اليمينيين المتطرفين الذين عارضوا الاتفاق منذ البداية، ويسعون لاستئناف القتال. في المقابل، يحظى حالياً بدعم إدارة ترامب، التي لوّحت باستخدام “قوة ثقيلة وسريعة” ضد حماس إن خالفت الاتفاق. ومع ذلك، تشير مقابلات تلفزيونية مع مستشاري ترامب إلى أن الأخير شعر بالخيانة بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، واعتبر أن حكومة نتنياهو “خرجت عن السيطرة”.

 

ازدادت حدة الغضب الأمريكي بعد تصويت الكنيست على مشروع قانون رمزي لضم مستوطنات الضفة الغربية أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس، ما أثار استياءه ووصف الخطوة بأنها “حركة سياسية غبية ومهينة”. ورد ترامب بتأكيد أن “إسرائيل لن تفعل شيئاً في الضفة”، ملوّحاً بأنه صاحب القرار الحقيقي في هذا الملف. وهكذا يجد نتنياهو نفسه بين مطرقة ترامب وسندان حلفائه الداخليين، لكنه يخشى ترامب أكثر من الجميع.

 

تواصل واشنطن إرسال مسؤوليها البارزين، من فانس إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، لضمان التزام إسرائيل بالمرحلة الأولى من خطة ترامب المسماة “خطة السلام الشاملة لغزة”، ومنعها من عرقلتها. وفي الوقت ذاته، تراقب قطر ومصر وتركيا التزام حماس، في صفقة غريبة تعيد فيها هذه الدول تثبيت سلطة الطرفين مقابل استمرار العملية السياسية. غير أن الاختبار الحقيقي سيأتي عندما تبدأ المفاوضات حول نزع سلاح حماس والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة — وهنا سيُعرف إن كان هذا الهدوء مقدمةً لسلامٍ فعلي أم لمجرد هدنة قبل العاصفة التالية.

 

https://www.chathamhouse.org/2025/10/israel-hamas-fragile-ceasefire-tested-word-go